س397: ما هو رأيك في الشيخ أبي معاذ سلمان العودة .. والله لم أسأل إلا بحثاً عن الحق .. فلديه اطروحات غريبة جداً .. وأنا متوقف لأنني لا أعلم هل هي صحيحة أم لا، وإن كانت لا فهل أتكلم في أوساط الشباب بتبيين أخطائه أم أصمت .. وشكراً ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. الشيخ سلمان العودة عالم من علماء الأمة .. له سابقة بلاء وجهاد في سبيل إعلاء كلمة هذا الدين .. لا يجوز أن نَكْفُرَهُ ذلك.
الشيخ مثله كمثل الكوابح للأمة وهي تسير من صَبَبٍ وبسرعة فائقة في اتجاهات عدة قد لا تُعرف نتائجها .. فالأمة بحاجة إلى هذا النوع من العلماء الذين يصارحونها القول ولو كان مراً .. والذين يُصلحون ما يُفسده الناس!
ميزة الشيخ ـ وربما قد تكون هذه مشكلة عند البعض ـ أنه يقول ويفعل الذي يعتقده صواباً .. لا الذي يعتقده الشباب أو الناس من حوله .. وهذا يُفرز له نوع معارضة أو عداوة ممن لا يرون في أفكاره ومنهجه مسايرة لهم ولأفكارهم .. وهذه ميزة حسنة تُذكر للشيخ لا عليه .. إذ أن العالم الحق وظيفته أن يقود الناس لا أن تقوده الناس ..!
مشكلة بعض الشيوخ المعاصرين أنك ترى أحدهم يُراعي ما يريده الناس .. ليستميلهم إليه .. أكثر مما يريده رب الناس .. وهذا خطأ كبير لا يليق بالعلماء العاملين!
نعترف أن للشيخ بعض الاطلاقات والمواقف الخاطئة لا نقره ولا نتابعه عليها؛ كموقفه المتساهل من العمل النيابي الديمقراطي في بلاد المسلمين .. وموقفه السلبي من مسألة الخروج ـ ومن الجماعات الجهادية الخارجة ـ على أئمة الكفر والردة والطغيان الذين يسومون البلاد والعباد القهر والكفر والذل .. وكذلك الغموض والعمومية في موقفه من عملية التغيير التي تتطلع إليها الأمة منذ سقوط الخلافة العثمانية .. لكن هذا لا يخولنا ولا يمكننا من أن نصنف الشيخ في خانة المثبطين أو المخذلين .. أو أنه من أعداء الجهاد والمجاهدين .. وغير ذلك من الاطلاقات الجائرة التي يُطلقها بعض المتحمسة بحق الشيخ .. والتي لا نقرهم عليها!
فالشيخ له إرث ضخم في خدمة ونصرة هذا الدين .. ولا يزال ـ ولله الحمد ـ يقدم الكثير .. فليس من العدل أو الإنصاف لمجرد الخلاف معه في مسألة أو بعض المسائل .. أن نحكم عليه بالإعدام .. أو نخرجه من خانة العاملين لهذا الدين .. فنشمّت بنا الأعداء ونحن لا ندري!
إن همَّشنا الشيخ سلمان .. فمن أين لنا أن نأتيكم بسلمانٍ آخر ..؟!
وإن همشنا الشيخ سفر .. فمن أين لنا أن نأتيكم بسفر آخر ..؟!
أم أنكم ترون صناعة العلماء بالأمر الهيّن ..؟!
نعم الخطأ يُرد سواء كان صاحبه الشيخ سلمان أم سواه .. فليس أحد منا خارج قاعدة يُخطئ ويُصيب .. يَرد ويُرد عليه إلا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم .. ولكن الرد يجب أن يكون ضمن الآداب والقواعد الشرعية المرعية عند حصول الرد أو التعقيب .. وبالقدر الذي تستدعيه المسألة والتي تم فيها الخلاف .. وأن لا يُفسد الود بين الإخوان!
وظني بالشيخ أن صدره واسع لمخالفيه .. وأنه يتقبل النصح من ناصحيه، وبخاصة إن لمس منهم الرشد والإخلاص فيما ينصحونه به .. لذا ننصح الإخوان بالقرب من الشيخ ومن إخوانه العلماء العاملين .. فيعينونهم على ما هم عليه من حق وهو الجانب الأكبر .. ويقومونهم ـ بالحكمة والرفق والنصح الراشد ـ فيما يُخطئون به أو يزلون .. أما البعد عن العلماء واعتزالهم ـ لأدنى خلاف ـ فإنه لا يُجدي شيئاً، وربما يترتب عليه مضار لا تُحمد عقباها!
وإنها لمناسبة في أن أتوجه للشيخ الفاضل بهذه الكلمات .. عسى أن تصله .. فإن وجد فيها حقاً أخذه، وهذا ظننا بالشيخ، وإن وجد غير ذلك رده، وله ذلك.
فأقول: نرى أن الدنيا قد فُتحت على الشيخ .. وأن وسائل إعلام الظالمين قد سُخرت له .. وقد عودنا الظالمون أن لا يفعلوا شيئاً من ذلك إلا بمقابل يرضيهم .. ويخدم مصالحهم .. فنرجو أن لا يكون ذلك مقابل ثمن يُدفع من الدِّين .. فعلى الشيخ أن يحذر ويتنبه لذلك!
الباطل قد يسمح للحق ـ في مرحلة من المراحل ـ أن يمرر مائة جزئية .. قد تكون قليلة الأهمية أو الأثر عليه .. مقابل أن يمرر هو جزئية واحدة عن طريق الحق ومن خلاله .. يكون لها بالغ الأثر على الأمة .. فعلى الشيخ أن يتنبه لذلك؛ أن يكون ذاك الحق الذي يُمرر من خلاله شيء يُرضي الباطل وهو لا يدري!
من عادة سلاطين الجور ـ عبر التاريخ كله وإلى زماننا هذا ـ أن يبحثوا عن رجال وُضع لهم القبول بين الناس ليتكئوا عليهم .. وليمرروا ظلمهم وفجورهم عن طريقهم .. وليتقووا بهم على الشعوب المقهورة .. وليصبغوا بهم على ظلمهم وحكمهم الشرعية والقانونية .. فليحذر الشيخ أن يكون ذاك الذي يتكئ عليه الظالمون وهو لا يدري ..!
من عادة الباطل مع الحق ـ لغاية في نفسه ـ أن يُقابله بطائفة من عبارات المديح والإطراء .. ليقابله الحق بكلمة ثناء ومدح ولو لمرة واحدة .. ليطير بها بين الناس .. فيقول: هذه شهادة الحق فيّ .. وفلان يقول فيّ كذا وكذا .. فيتقوى بها على ظلمه وفجوره .. فليحذر الشيخ من أن يقع في شيء من ذلك وهو لا يدري ..!
المرء عندما يبتعد عنه إخوانه الموحدون الصادقون .. وإن كانوا قلة .. ويقترب منه أهل البدع والأهواء وغيرهم من أهل الباطل .. وإن كانوا كثرة .. عليه أن يراجع نفسه ويسألها .. أين هو من جادة الحق .. قبل أن يُسأل في يوم الندم .. ولات حين مندم!
كثير من أهل العلم كانت لهم بدايات طيبة .. وجهود يُشكرون عليها .. لكنهم بسبب ركونهم وميلهم إلى سلاطين الكفر والجور .. انتهوا إلى مآلٍ لا يُحسدون عليه، وذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم:” ما ازداد عبد من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً ” .. نسأل الله السلامة وحسن الختام!
لك كامل الحق ـ كعالم من علماء المسلمين ـ أن تنقد المجاهدين .. وتنصحهم .. وتسدد مسارهم لما تراه حقاً وصواباً .. فهذا أمر عادي .. وحقٌّ على المجاهدين أن يستفيدوا منك .. ولكن عليك أن تنتبه وتحذر ألف مرة من أن يستفيد من نقدك هذا أهل الكفر والنفاق .. أو أن يستدلوا به على بطلان جهاد المجاهدين .. أو يتقووا به على محاربتهم للمجاهدين .. والإسلام والمسلمين .. فتكون بذلك عوناً لهم على إخوانك ودينك وأنت لا تدري!
أحياناً قد يكون من الحكمة الإمساك وعدم البيان .. إذا علمنا أن هذا البيان لن يستفيد منه إلا الباطل وأهله ..!
كثير من الإطلاقات التي أخذت عليكم ـ بخاصة منها ذات العلاقة بمفهوم الجهاد وقضاياه المعاصرة ـ هي في حكم المتشابهات .. حمالة أوجه .. لذا نجد الشباب يخوضون في تفسيرها وتحليلها وكأنها رموز تحتمل وجوهاً من التفاسير .. مما يؤدي إلى اختلافهم وتفرقهم .. فريق مؤيد وفريق معارض .. فريق يقول أخطأت وفريق يقول أصبت .. ولا أدل على ذلك من صيغة السؤال الذي توجه به الأخ السائل .. وكذلك ما ورد في مقالكم وردكم على المثقفين الأمريكيين .. فهلا خاطبتم الناس ـ على قدر عقولهم ـ بكلام محكم لا يحتمل إلا تفسيراً واحداً ..؟!
هذا ما أردنا قوله وتذكير الشيخ وأنفسنا به .. راجين أن يتقبله ـ على شدته ـ بقبول حسن .. فما أردنا إلا النصح والإصلاح، والحمد لله رب العالمين.